سورة الحج - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


وقوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} أي ليزيلوا أدرانهم وأوساخهم والمراد منه الخروج عن الإحرام بالحلق وقص الشارب ونتف الإبط وقلم الأظفار والاستحداد ولبس الثياب والحج أشعث أغبر إذا لم يزل هذه الأوساخ. وقال ابن عمر وابن عباس: قضاء التفث مناسك الحج كلها {وليفوا نذورهم} أراد نذر الحج والهدي وما ينذر الإنسان من شيء يكون في الحج أي ليتموها بقضائها. وقيل المراد منه الوفاء بما نذر وهو على ظاهره وقيل: أراد به الخروج عمَا وجب عليه نذره أو لم ينذره {وليطوفوا بالبيت العتيق} أراد به طواف الواجب وهو طواف الإفاضة ووقته يوم النحر بعد الرمي والحلق. والطواف ثلاثة طواف القدوم وهو أنّ من قدم مكة يطوف بالبيت سبعاً يرمل ثلاثاً من الحجر الأسود إلى أن ينتهي إليه ويمشي أربعاً وهذا الطواف سنة لا شيء على من تركه.
(ق) عن عائشة: «إن أول شيء بدأ به حين قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ثم طاف ثم لم تكن عمرة ثم حجّ أبو بكر وعمر مثله».
(ق) عن ابن عمر «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف الطواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً» زاد في رواية «ثم يصلي ركعتين يعني بعد الطواف بالبيت ثم يطوف بين الصفا والمروة» ولفظ أبي داود «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أو ما يقدم يسعى ثلاثة أشواط ويمشي أربعاً ثم يصلي سجدتين» والطواف الثاني هو طواف الإفاضة وذلك يوم النحر بعد الرمي والحلق.
(ق) عن عائشة قالت: «حاضت صفية ليلة النفر فقالت: ما أراني إلا حابستكم قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم عقرى حلقى أطافت يوم النحر قيل نعم قال فانفري» قوله عقرى وحلقى معناه عقرها الله أي أصابها بالعقر وبوجع في حلقها وقيل معناه مشئومة مؤذية ولم يرد به الدعاء عليها وإنّما هو شيء يجري على ألسنة العرب كقولهم: لا أم لك وتربت يمينك وفيه دليل على أن من لم يطف يوم النحر طواف الإفاضة لا يجوز له أن ينفر. الثالث طواف الوداع لا رخصة لمن أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر في أن يفارقها حتى يطوف سبعاً فمن تركه فعليه دم إلا المرأة الحائض فإنه يجوز لها تركه للحديث المتقدم ولما روى ابن عباس قال: «أمر الناس أن يكون الطواف آخر عهدهم بالبيت إلا أنه رخص للمرأة الحائض» متفق عليه. الرمل سنة تختص بطواف القدوم ولا رمل في طواف الإفاضة والوداع وقوله: {بالبيت العتيق} قال ابن عباس وغيره سمي عتيقاً لأن الله أعتقه من أيدي الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه فلم يظهر عليه جبار قط، وقيل لأنه أول بيت وضع للناس وقيل لأن الله أعتقه من الغرق فإنه رفع أيام الطوفان وقيل لأنه لم يملك.
قوله عز وجل: {ذلك} أي الأمر ذلك يعني ما ذكر من أعمال الحج {ومن يعظم حرمات الله} أي ما نهى الله عنه من معاصيه وتعظيمها ترك ملابستها وقيل: حرمات الله ما لا يحل انتهاكه وقيل الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه وقيل: الحرمات هنا مناسك الحج وتعظيمها إقامتها وإتمامها وقيل الحرمات هنا البيت الحرام والبلد الحرام والمسجد الحرام والشهر الحرام ومعنى التعظيم العلم بأنه يجب القيام بمراعاتها وحفظ حرمتها {فهو خير له عند ربه} أي ثواب تعظيم الحرمات خير له عند الله في الآخرة {وأحلت لكم الأنعام} اي أن تأكلوها بعد الذبح وهي الإبل والبقر والغنم {إلا ما يتلى عليكم} أي تحريمه وهو قوله في سورة المائدة {حرمت عليكم الميتة والدم} الآية: {فاجتنبوا الرجس والأوثان} أي اتركوا عبادتها فإنها سبب الرجس وهو العذاب وقيل سمى الأوثان رجساً لأنّ عبادتها أعظم من التلوث بالنجاسات {واجتنبوا قول الزور} يعني الكذب والبهتان.
وقال ابن عباس: هي شهادة الزور وروي عن أيمن بن خريم قال: «إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال أيها الناس عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور» أخرجه الترمذي وقال قد اختلفوا في روايته ولا نعرف لأيمن سماعاً من النبيّ صلى الله عليه وسلم وأخرجه أبو داود عن خريم بن فاتك بنحوه وقيل: هو قول المشركين في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلاّ شريك هو لك تملكه وما ملك.


قوله تعالى: {حنفاء لله} يعني مخلصين له {غير مشركين به} فدل ذلك على أن المكلف ينوي بما يؤتيه من العبادة الأخلاص لله بها لا غيره وقيل كانوا في الشرك يحجون ويحرمون البنات والأمهات والأخوات وكانوا حنفاء فنزلت {حنفاء لله غير مشركين به} أي حجوا لله مسلمين موحدين ومن أشرك لا يكون حنيفاً {ومن يشرك بالله فكأنّما خر} أي سقط {من السماء} إلى الأرض {فتخطفه الطير} يعني تسلبه وتذهب به {أو تهوي به الريح} يعني تميل وتذهب به {في مكان سحيق} يعني بعيد. ومعنى الآية أنّ من أشرك بالله بعيد من الحق والإيمان كبعد من سقط من السماء فذهبت به الطير أو هوت به الريح فلا يصل إليه بحال وقيل شبه حال المشرك بحال الهاوي من السماء لأنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع حيث تسقط الريح فهو هالك لا محالة. إما باستلاب الطير لحمه أو بسقوطه في المكان السحيق. وقيل معنى الآية من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس وراءه إهلاك بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير ففرقت أجزاءه في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة. وقيل شبه الإيمان بالسماء في علوه والذي ترك الإيمان بالساقط من السماء والأهواء التي توزع أفكاره بالطير المختطفة والشياطين التي تطرحه في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة. قوله عز وجل: {ذلك} يعني الذي ذكر من اجتناب الرجس وقول الزور {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} يعني تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب قال ابن عباس: شعائر الله البدن والهدي وأصلها من الإشعار، وهو العلامة التي يعرف بها أنها هدى وتعظيمها استسمانها واستحسانها وقيل شعائر الله أعلام دينه وتعظيمها من تقوى القلوب {لكم فيها} اي في البدن {منافع} قيل هي درها ونسلها وصوفها ووبرها وركوب ظهرها {إلى أجل مسمى} أي إلى أن يسميها ويوجبها هدياً فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها. وهو قول مجاهد وقتادة والضحّاك ورواية عن ابن عباس وقيل معناه لكم في الهدايا منافع بعد إيجابها وتسميتها هدايا بأن تركبوها وتشربوا من ألبانها عند الحاجة إلى أجل مسمى يعني إلى أن تنحروها وهو قول عطاء. واختلف العلماء في ركوب الهدي فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق: يجوز ركوبها والحمل عليها من غير ضرر بها لما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنه فقال: «اركبها فقال يا رسول الله إنّها بدنة فقال: اركبها ويلك في الثانية والثالثة» أخرجاه في الصحيحين. وكذلك يجوز له أن يشرب من لبنها بعد ما يفضل عن ري ولدها. وقال أصحاب الرأي: لا يركبها إلاّ أن يضطر إليه وقيل أراد بالشعائر المناسك ومشاهدة مكة لكم فيها منافع يعني بالتجارة والأسواق {إلى أجل مسمى} يعني إلى الخروج من مكة وقيل {لكم فيها منافع} يعني بالأجر والثواب في قضاء المناسك إلى انقضاء أيام الحج {ثم محلها إلى البيت العتيق} يعني منحرها عند البيت العتيق يريد به جميع أرض الحرم. وروي عن جابر في حديث حجة الوداع أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحرت ها هنا ومنىً كلها منحر فانحروا في رحالكم» ومن قال الشعائر المناسك قال معنى ثم محلها يعني محل الناس من إحرامهم إلى البيت العتيق يطوفون به طواف الزيارة. قوله تعالى: {ولكل أمة} يعني جماعة مؤمنة سلفت قبلكم {جعلنا منسكاً} قرئ بكسر السين يعني مذبحاً وهو موضع القربان منسكاً بفتح السين وهو إراقة الدم وذبح القرابين {ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} يعني عند ذبحها ونحرها سماها بهيمة لأنها لا تتكلم وقيد بالأنعام لأن ما سواها لا يجوز ذبحه في القرابين وإن جاز أكله. قوله عز وجل: {فإلهكم إله واحد} يعني سموا على الذبح اسم الله وحده فإنّ إلهكم إله واحد {فله أسلموا} يعني أخلصوا وانقادوا وأطيعوا {وبشر المخبتين} قال ابن عباس: المتواضعين وقيل المطمئنين إلى الله وقيل الخاشعين الرقيقة قلوبهم وقيل هم الذي لا يظلمون وإذا ظلموا لا ينتصرون ثم وصفهم.


فقال تعالى: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} يعني خافت من عقاب الله فيظهر عليها الخشوع والتواضع لله تعالى {والصابرين على ما أصابهم} يعني من البلاء والمرض والمصائب ونحو ذلك مما كان من الله تعالى وما كان من الله تعالى وما كان من غير الله فله أن يصبر عليه وله أن ينتصر لنفسه {والمقيمي الصلاة} يعني في أوقاتها محافظة عليها {ومما رزقناهم ينفقون} يعني يتصدّقون. قوله تعالى: {والبدن} جميع بدنه سميت بدنة لعظمها وضخامتها، يريد الإبل الصحاح الأجسام والبقر ولا تسمى الغنم بدنة لصغرها {جعلناها لكم من شعائر الله} يعني من أعلام دينه قيل لأنه تشعر وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم بذلك أنها هدي {لكم فيها خير} يعني نفع في الدنيا وثواب في العقبى {فاذكروا اسم الله عليها} يعني عند نحرها {صواف} يعني قياماً على ثلاث قوائم قد صفت رجليها ويدها اليمنى والأخرى معقولة فنحرها كذلك.
(ق) عن زياد بن جبير قال: «رأيت ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها قال ابعثها قياماً مقيدة سنّة محمد صلى الله عليه وسلم» {فإذا وجبت جنوبها} يعني سقطت بعد النحر ووقع جنبها على الأرض {فكلوا منها} أمر إباحة {وأطعموا القانع والمعتر} قيل القانع الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسأل. والمعتر هو الذي يسأل وعن ابن عباس القانع هو الذي لا يسأل ولا يتعرض. وقيل: القانع هو الذي يسأل والمعتر هو الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل وقيل القانع المسكين والمعتر الذي ليس بمسكين ولا تكون له ذبيحة يجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم {كذلك} يعني مثل ما وصفنا من نحرها قياماً {سخرناها لكم} يعني لتتمكنوا من نحرها {لعلكم تشكرون} يعني إنعام الله عليكم {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحرو البدن لطخوا الكعبة بدمائها يزعمون أن ذلك قربة إلى الله تعالى فأنزل الله {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} يعني لن ترفع إلى الله لحومها ولا دماؤها {ولكن يناله التقوى منكم} يعني ولكن ترفع إليه الأعمال الصالحة والإخلاص وهو ما أريد به وجه الله {كذلك سخرها لكم} يعني البدن {لتكبروا الله على ما هداكم} وأرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه وهو أن يقول الله: أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا {وبشر المحسنين} قال ابن عباس الموحدين.
قوله تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} أي يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم منهم وينصرهم عليهم {إنّ الله لا يحب كل خوان كفور} أي خوان في أمانة الله كفور لنعمته.
قال ابن عباس: خانوا الله فجعلوا منه شريكاً وكفروا نعمه. وقيل من تقرّب إلى الأصنام بذبيحته وسمى غير الله عليها فهو خوان كفور. قوله عز وجل: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} أي أذن الله لهم بالجهاد ليقاتلوا المشركين قال المفسرون كان مشركوا أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون يجيئون من بين مضروب ومشجوج ويشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لهم: «اصبروا فإني لم أومر بقتال» حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال. وقيل نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة فاعترضهم مشركو مكة فأذن الله لهم في قتال الكفار الذي يمنعون من الهجرة بأنهم ظلموا أي بسبب ما ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء {وإن الله على نصرهم لقدير} فيه وعد من الله بنصر المؤمنين ثم وصفهم. فقال تعالى: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} يعني أنهم أخرجوا بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتعظيم والتمكين لا موجب الإخراج {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} أي بالجهاد وإقامة الحدود {لهدمت صوامع} هي معابد الرهبان المتخذة في الصحراء {وبيع} هي معابد النصارى في البلد وقيل الصوامع للصابئين والبيع للنصارى {وصلوات} هي كنائس اليهود ويسمونها بالعبرانية صلوتاً {ومساجد} يعني مساجد المسلمين {يذكر فيها اسم الله كثيراً} يعني في المساجد. ومعنى الآية ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في شريعة كل نبي مكان صلواتهم فهدم في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى البيع والصوامع وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد {ولينصرن الله من ينصره} أي ينصر دينه ونبيه {إنّ الله لقوي} أي على نصر من ينصر دينه {عزيز} أي لا يضام ولا يمنع مما يريده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5